متى ظهر فانوس رمضان وكيف تطور عبر التاريخ؟
كلمة الفانوس فى ذاتها كلمة إغريقية الأصل، تعنى أى وسيلة للإضاءة التى عرفها الإغريق القدامى مثل المشاعل والمصابيح.
ويذكر العلامة على الجندى فى موسوعته (قرة العين فى رمضان والعيدين) أن المشاعل كانت عبارة عن غصون من الإيجار تغمس فى دهن الشواء، تشتعل بقدح الأحجار، ثم تطور الأمر إلى تجميع الدهون لتظهر الشموع إلى الوجود.
أما فى البلاد التى عرفت الزيت مثل زيت جوز الهند، فقد تم اختراع "المسرجة"أو المصباح، حيث كان يتم وضع الزيت فى محارة بحرية، وتوضع زبالة من الخيط والقماش، لتنير إذا ما اشتعلت، ثم تطورت هذه المصابيح فباتت تصنع من الفخار والخزف والزجاج.
وقد برع العرب فى عصور الحضارة الإسلامية الزاهية فى صناعة المصابيح، فظهرت الشمعدانات والمشكوات، والثريات، والقناديل، وصنعت هذه الأشكال المتعددة من المصابيح من عدة عناصر كالخزف والزجاج، والمعادن، والفخار، وتميزت بجمال زخارفها ذات النقوش النباتية والحيوانية.
إذن فقد ساعد هذا الإرث الحضاري المتراكم على ظهور الفانوس، وهو لاشك اختراع إسلامي خالص، وقد ظهر الفانوس أول ما ظهر فى العصر الفاطمي، وارتبط بنحو خاص بقدوم الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، الذى أقبل من مدينة المهدية التونسية إلى القاهرة المُعزية التى شيدها له قائده جوهر الصقلي، فدخلها فى يوم الثلاثاء السابع من شهر رمضان سنة ٣٦٢هـ/٩٧٣م.
وقبل أن يدخل المعز إلى عاصمته الجديدة، أبهره حفاوة استقبال المصريين، الذين استقبلوه عن بكرة أبيهم من ناحية الجيزة الفيحاء للترحيب بمقدمه السعيد، وإظهار الفرح والسرور بتأسيس خلافة مستقلة يتزعمها خليفة من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد حمل المصريون معهم المشاعل والشموع والقوانين لاستقبال الخليفة، ومنذ ذلك الوقت ارتبطت الفوانيس ارتباطا وثيقا بشهر رمضان، ارتباط جاوز فى الزمان قيام خلافة الفاطميين وزوالها.
لكن الفانوس كان له وظيفة أخرى فى عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي حفيد المعز، فقد حظر هذا الخليفة خروج القاهريات إلى الأسواق وألزمهن البيوت، فإذا ما أقبل شهر رمضان أذن لهم بالخروج للتزاور، على أن يسير أمام كل امرأة طفل صغير يحمل فى يده فانوسا مضيئا؛ ليعرف المارة من الرجال إن هناك امرأة تسير فيفسحوا لها الطريق.
وازدهرت صناعة الفوانيس ازدهارا كبيرا فى عصر دولة المماليك، فظهر سوق "الشماعية"أو الشماعين فى حى النحاسين خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين، وفى هذا السوق كانت تباع الفوانيس والشموع التى كانت تدر أرباحا جزيلة، فكانت تعلق الفوانيس المصنوعة من الشمع على واجهات الحوانيت وتفتح المحلات ليلا حتى منتصف الليل؛ لكثرة ازدحام الناس على شراء هذه الفوانيس.
وكان الأطفال قديما يجوبون الشوارع بينما يحملون الفوانيس فى فرحة، وينطلقون فى أغنياتهم الخاصة بالشهر الفضيل
ليست هناك تعليقات