الفن الأكثر إثارة للجدل.. تاريخ الوشم من الإجرام إلى مدارج الموضة
الوشم هو الفن الأكثر إثارة للجدل، اسُتخدم قديما لتمييز المجرمين، وكعلاج للأمراض وطرد الأرواح، قبل تحريمه ومن ثم وصوله إلى مدارج الموضة.
عرفت شعوب الحضارات القديمة دق الوشم، وارتبط هذا الرسم المثير للجدل بالإجرام في الحضارة الصينية القديمة، وكانت وجوه الجناة تُميز بالحبر الدائم، فضلًا عن المحكومين بعقوبات الإعدام والبتر.
وفي الكونفوشيوسية، كان الحفاظ على الجلد والجسد الموروث من الوالدين "نموذجا لتقوى الأبناء"، بينما يعتبر الوشم وصمة عار، إذ يشير إلى ممارسة غير حضارية، وعلامة على البعد عن الواجبات الأسرية.
وفي مصر، يحرص السجناء على دق الوشم بطريقة بدائية، وباستخدام مواد بسيطة مثل أعواد الثقاب والمشارط، ويشار إلى حاملي هذه الوشوم بأنهم "ردّ سجون"، ويغلب على معظمها الطابع الرومانسي.
الوشم الفرعوني
في مارس/ أذار 2018، اكتشف أول وشم في العالم على المومياوات المصرية، قبل 5 آلاف سنة، وهي محفوظة في المتحف البريطاني، حسبما أفادت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية آنذاك.
ويظهر الوشم ثورًا بريًا وأغناما بربرية على الجزء العلوي من ذراع إحدى المومياوات الذكور المعروف باسم رجل الجبلين، وكشفت الأشعة تحت الحمراء أن هذا الوشم لحيوانات كانت معروفة في زمن ما قبل الأسرات.
وأخذت الوشوم على كتف وذراع المومياء الأثنى شكل حرف "S"، ولم يتم تحديد هوية الأنثى لكن يبدو أنها كانت ذات مكانة كبيرة، ومن المرجح أنها عاشت عاشت في فترة ما قبل توحيد الأمة حوالي سنة 3100 ق.م.
وكشف الخبير الأثري أحمد عامر تاريخ الوشم عند قدماء المصريين، وقال إن كتب التاريخ والأبحاث والدراسات الأثرية أكدت أن "الفراعنة هم أول من ابتكروا الوشم، وبرعوا في مكوناته"، وفقًا لـ"العربية. نت".
وأوضح أن الوشم عند الفراعنة كان يتم بطريقة وخز الجلد، وإدخال الصبغات في طبقته العليا، وكانوا يستخدمونه لأغراض التجميل والتزيين وطرد الأرواح الشريرة، كما صدّروا هذه التقنيات للحضارات القديمة.
وأشار "عامر" إلى أن الوشم عند الفراعنة كان يرمز إلى حماية النساء من الأمراض الجنسية وخلال الولادة والعمل، ومنع أي أذى يمكن أن يواجههن، وعثر على مومياوات بها وشم لإلهة الموسيقى والرقص "حتحور"
تحريم الوشم
في أغسطس/آب 2021، حرَّم مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية الوشم "التاتو" للرجال والنساء، واعتبره من "كبائر الذنوب"، مستثنيًا أن يكون الوشم علاجا لأحد الأمراض، أو مرسوما بمواد يسهل إزالتها مثل الحناء.
وجاء في بيان الفتوى: "الوشم هو إدخال أصباغ إلى طبقات الجلد الداخلية بوخز إبرة، وحكمه في الإسلام هو الحرمة، وبعض الفقهاء عد الوشم كبيرة من كبائر الذنوب، وهذا الحكم يشمل الرجال والنساء على السواء"
أضرار الوشم
للوشم أضرار كثيرة على الصحة، وصحة الجلد على وجه التحديد، إذ تخترق الوشومات الجلد، وهو ما يعني أن عدوى الجلد ومضاعفات أخرى محتملة قد تصيب الشخص عند دق الوشم، وفقًا لـ"مايو كلينك".
ومن مخاطر الوشم الصحية: التفاعلات التحسسية، فصبغات الوشم، خاصة الصبغات الحمراء والخضراء والصفراء والزرقاء، يمكنها التسبب في ردود أفعال حساسية جلدية مثل حكة الطفح في منطقة الوشم.
كما أن عدوى الجلد ممكنة بعد دق الوشم، وقد يحدث أن تتكون منطقة من الالتهاب تدعى الورم الحبيبي حول حبر الوشم، ويمكن للوشم أيضا أن يؤدي إلى التجدر، وهي مناطق نامية بسبب فرط نمو أنسجة ندبة.
وقد ينقل دق الوشم الأمراض المنقولة عبر الدم، فإذا كانت الأداة المستخدمة ملوثة بدم ملوث فيمكنك التقاط أمراض مختلفة منقولة عبر الدم، مثل فيروس التهاب الكبد الوبائي "B" وفيروس التهاب الكبد الوبائي "C".
وقد يتسبب الوشم في التورم أو الالتهاب في المناطق المصابة أثناء فحوصات التصوير بأشعة الرنين المغناطيسي "MRI"، وقد تحتاج إلى أدوية أو علاج آخر إذا مررت بتجربة رد فعل تحسسي لحبر الوشم.
العلاج بالوشم
استخدم الوشم في حضارات الآشوريين لأغراض متعددة، شملت العلاج والزينة والحماية من الأرواح الشريرة، واستخدم مؤخرًا كجزء من العلاج النفسي لمرضى سرطان الثدي، إذ يرسم الوشم للنساء والرجال الذين استئصلت أثدائهم.
وفي 2016، نجح باحثون أمريكيون في توظيف وشم كيميائي مضاد للأكسدة لوقف عمل نوع من الخلايا المناعية التي يؤدي نشاطها الزائد إلى مهاجمة أنسجة الجسم السليمة أيضا، الأمر الذي يقود إلى حدوث أمراض المناعة الذاتية المزمنة مثل الذئبة الحمراء.
وأدخل علماء في كلية "بايلور" للطب في هيوستن الوشم متناهي الصغر الذي يحتوي على مركب مضاد للأكسدة إلى الجسم، حيث امتصته خلايا "تي" التائية خلال أيام، وهي خلايا تؤدي إلى التصلب المتعدد، إذ تفقد قدرتها على التمييز بين الجسيمات الدخيلة والأنسجة الحية وتهاجمها سويًا.
وشم المسيحية
في المسيحية، يستخدم الوشم لرسم إشارة "الصليب" على المعصم، ويرجع هذا الطقس إلى ما بين عامي 160 و200 ميلادي، في عهد الأب ترتليان الذي كتب: "إننا في كل أسفارنا وتحركاتنا وذهابنا وإيابنا وفي كل خطوة نقوم بها خلال يومنا علينا أن نرسم علامة الصليب".
وقديمًا، كانت علامة الصليب ترسم على جبهة الشخص بواسطة الإبهام، وفي القرن الـ11 تطور الرسم ليصبح على شكل صليب على الجبهة والصدر والكتفين، ومع ظهور البروتستانتية في القرن الـ16 ظهرت دعوات للتخلي عن رسم إشارة الصليب، بينما رأى آخرون أنها "حرية فردية".
وتشير رواية أخرى إلى إن رسم الصليب بدأ في عهد الملك الأشرف صلاح الدين خليل عام 1290، ليعلن المسيحيون عن مسيحيتهم، وكان دق الصليب بمثابة بطاقة شخصية لتأكيد الهُوية القبطية، كما يرسم بعض المسيحيين صورة "شفيعة" من القديسين، مثل صورة مارجرجس أو السيد العذراء.
مدارج الموضة
قديمًا، لم يكن للوشم مكان في عالم الموضة، وكانت عارضات الأزياء الشهيرة تظهر على أشهر المدارج في باريس ونيويورك ولندن وميلانو دون أي رسوم.
ظهر الوشم لأول مرة على فستان وملابس داخلية للرجال في أواخر الستينيات باستخدام تقنيات الوشم اليابانية التقليدية.
وبحلول أواخر السبعينيات، بدأ المصممون بدمجون علامات تشبه الوشم في تصميماتهم، مثل مارتن مارجيلا في مجموعته "Les Tatouages" ومجموعة "Maison Margiela Sailor Jerry"، ولم تعد الوشوم مخفية تحت الملابس الداخلية، بل كانت تزين أجسام العارضات والعارضين.
وحرصت أشهر العارضات على رسم الوشم، وأبرزهن البريطانية كارا دولافيني، كما سارت نجمات هوليوود على نهجهن، وأبرزهم في هذا السياق النجمة الأمريكية أنجلينا جولي، التي كانت ترسم على جسدها 15 وشمًا في فترة المراهقة، كما دقت تعويذة على ظهرها لحماية زواجها من براد بيت قبل انفصالهما.
ليست هناك تعليقات