تحيي الأمة الإسلامية ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم عبر العديد من المظاهر الاحتفالية الدينية والشعبية التي تتباين بين الدول.
ويحل المولد النبوي الشريف هذا العام، الأربعاء، 12 ربيع الأول 1445 بالتقويم الهجري، الذي يوافق 27 سبتمبر/أيلول 2023 بالتقويم الميلادي.
وتختلف مظاهر إحياء هذه الذكرى العطرة بين الدول سواء العربية أو الإسلامية، وإن كان فحوى الاحتفال واحدا يرتكز على ذكره بمختلف الطرق، فضلا عن إعداد الطعام والشراب المرتبطين بالحدث وحلوى المولد وإنارة المساجد والطرق.
وتحرص بعض الدول على منح يوم المولد أو يوما بديلا له عطلة رسمية مدفوعة الأجر لجميع العاملين، ومن بينها مصر والإمارات والسعودية والكويت والبحرين والمغرب وغيرها.
جذور الاحتفال بالمولد النبوي في الدول العربية
قال الدكتور مختار الكسباني، أستاذ الآثار الإسلامية في كلية الآثار جامعة القاهرة، ومستشار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار سابقا في مصر، إن من أكثر الدول العربية احتفالا بالمولد النبوي هي الدولة المصرية.
وأوضح الكسباني، أن إحياء المولد النبوي في مصر تقليد بدأ منذ عصور الإسلام الأولى ثم ارتبط بطبيعة المصريين الذين يحبون آل بيت الرسول محمد ويحرصون على إحياء كل المناسبات الدينية.
وذكر أن الاحتفال بالمولد النبوي الذي بات عادة مصرية مؤصلة بدأ قبل نحو 1200 عام، وكانت تسمى "ليالي الوقود" وتشهد تعليق القناديل على المساجد احتفالا بالحدث.
وتابع: "ثم ترسخت الاحتفالات في العصر الفاطمي باعتبار أنهم ينسبون إلى السيدة فاطمة ابنة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ومن هنا ظهرت عالمية الاحتفال بالمولد النبوي من مصر وانتقلت منها إلى بعض الدول العربية والإسلامية".
واعتبر المختص أن من أبرز مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في مصر الإنشاد الديني وترديد الأهازيج المرتبطة بالحدث الديني، والتزيين بالقناديل وإضاءة المساجد، والتوسعة على أهل البيت، وإعداد الطعام والشراب وأنواع حلوى المولد، خصوصا عروسة المولد والأصناف المرتبطة بالمنتجات الترفيهية التي ترزع في مصر مثل الفولية والحمصية والسمسمية.
أما عن مظاهر إحياء باقي الدول العربية والإسلامية الاحتفال الديني، فأوضح الكسباني أن أغلبها تكون احتفالاتها على نطاق ضيق للغاية كأن يقام احتفال عائلي مثلا، مضيفا: "لكن كأن تحتفل الدولة ذاتها بالحدث ليس له مثيل لمصر".
وشرح: "كل الهيئات الدينية في مصر تحتفل بالمولد، فنرى إضاءة المساجد وحلقات الذكر والإنشاد الديني وغيرها من المظاهر التي تنتشر في الدولة المصرية".
طقوس الاحتفال في الوطن العربي
الإمارات
تحرص دولة الإمارات على إحياء ذكرى مولد أشرف الخلق سيدنا محمد بإقامة احتفال رسمي كبير عير الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، تشهد قراءة القرآن الكريم وإلقاء محاضرات عن سيرة الرسول الكريم وأخلاقه وصفاته بحضور كبار القادة ورجال الدين في الدولة.
وتتزين الشوارع والمساجد بالإضاءات والزينة المميزة للحدث، وتشهد الجوامع حلقات الذكر والابتهال والتسبيح وتُقام صلوات جماعية، بجانب إقامة احتفال ديني تراثي يسمى "المالد" وهو إنشاد ديني تقليدي مستمد من التراث الثقافي لدولة الإمارات ويرتبط بالمناسبات الدينية والاجتماعية التي تعزز النسيج الاجتماعي.
السعودية
في المملكة تتمحور الاحتفالات بهذه الذكرى العطرة حول تلاوة القرآن الكريم وقراءة الأدعية المأثورة والمواعظ الدينية والتذكير بسيرة الرسول وإنشاد الأناشيد الدينية في أجواء روحانية.
وهناك من يحتفل بذكرى مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بإقامة موائد كبيرة من الطعام وتوزيعها على المنازل والمارة، فضلا عن توزيع حلاوة المولد النبوي.
أما عن المظاهر الاحتفالية، فيتم إضاءة 16 حزمة ضوئية ببرج الساعة بالحرم المكي، أعلى برج في المملكة، بطول يصل إلى نحو 10 كيلومترات احتفالًا بالمولد النبوي.
مصر
مصر هي مهد الاحتفال بذكرى مولد الرسول عليه السلام، ويتم إحياء المناسبة بتنظيم حفل "موكب الحصان" الذي يعود إلى العهد الفاطمي.
وهو عبارة عن حصان مزين بأغطية مختلفة، يطوف معظم شوارع القاهرة حتى يصل إلى مشهد الحسين بن علي بالقاهرة، ويشارك ضمن الموكب شيوخ الطرق الصوفية وفرق الموسيقى الطرقية.
ويرتبط بهذا اليوم إعداد المصريين حلوى "حصان وعروسة المولد" وأيضا السمسية والفولية والحمصية، وجميعها مكونة من السكر.
المغرب
يطلق على ذكرى ميلاد النبي محمد عليه السلام "الميلودية"، إذ تعود الاحتفالات إلى عهد الموحدين الذين حكموا المغرب ما بين 500 و620هـ، وتبدأ مظاهر الاحتفال منذ مطلع شهر ربيع الأول وحتى يوم ميلاد الرسول.
ويقام يوميا بكل المساجد بعد صلاة المغرب دروس في السيرة النبوية ترافقها أمداح نبوية وتواشيح دينية، وفي ليلة العيد يقام حفل كبير في المسجد الأعظم بكل مدينة برعاية ممثلي سلطات الدولة والمنتخبين والعلماء ورجال الطرق الصوفية وعامة الناس.
وفي يوم الاحتفال بالعيد يلبس الناس ثيابا جددا، وفي الإفطار تكون هناك حلويات وعجائن خاصة بالمناسبة، ترافق ذكرى عيد المولد حركة تجارية غير عادية إذ تكثر تجارة لعب الأطفال والحلويات والعجائن والفواكه الجافة.
وفي مدينة سلا تحديدا، تشهد الشوارع مرور "موكب الشموع" وهو عبارة عن شموع وضعت على هياكل خشبية مزخرفة يحملها شبان يرتدون ملابس ملونة وسط فرق موسيقية تستخدم الدفوف وعبارات الصلاة على الرسول، فيما تصطف النساء والأطفال على جنبات الطرقات حاملات الشموع أيضا لمتابعة مرور موكب الشموع مرددين الابتهالات الصوفية.
الجزائر
تتميز الجزائر بطقوس مميزة في هذه الذكرى الغالية، إذ يجتمع أفراد العائلة حول مائدة الطعام ويضيئون الشموع وينشدون الأناشيد الدينية والقصائد.
وصبيحة يوم المولد النبوي تعلو زغاريد النساء فرحا باليوم العطر مع تهنئة الجميع بالذكرى الدينية، وإعداد عشاء مميز تقليدي "البركوكس بالدجاج" مع أنواع الحلويات والشاي والقهوة، فضلا عن تزيين النساء بوضع الحناء على الأيادي والأقدام والشعر تعبيرا
عن سعادتهم بالمناسبة.
ليبيا
يتميز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في ليبيا بحمل الأطفال والشباب القناديل في الساحات ويتحلقون حول مشعلة من النار وهم يرددون الأناشيد المتعلقة بالحدث والأذكار والأوراد من طرف الزوايا الطرقية.
فيما تستقبل ربات البيوت هؤلاء الشباب وهن يزغردن ويقمن برش ماء الورد وتستمر الحفلات طيلة سبعة أيام احتفاء بقدوم المولد النبوي.
فلسطين
يحيي الفلسطينيون ذكرى المولد النبوي بإقامة الفعاليات الدينية وتصدح المساجد بتلاوة القرآن وإقامة حلقات الذكر والإنشاد والتواشيح، مع تحضير أشهى أنواع الحلوى مثل النمورة والكنافة.
وتشهد بعض المدن، مثل نابلس، تزيين الشوارع والمحال بالأعلام الملونة والبالونات وعبارات المدح للرسول الكريم، ويوزع الأهالي الحلوى على المارة ويتبادلون التهاني، كما تجوب فرق الإنشاد الشارع وتردد أناشيد المدح والذكر.
ليست هناك تعليقات